يوميات قاطن معسكر ٣٠ والأخيرة

يوميات قاطن معسكر

(٣٠ والأخيرة) 

hi

 إبراهيم عبدالرحمن ود الخاتم، صديق علي في الحلة والمدرسة، رفيق الدرب قبل الحرب (يوميات قاطن معسكر ١،٢). طرق درب الجيش ودخل كرري العسكرية، وإنتقل بعدها إلى الإستخبارات. بسبب إنتماءه للإقليم، أُسندت إليه بعض الملفات الأمنية المتعلقة بمعسكرات النازحين، ومن وضمنها ملف علي إسماعيل الذي لم يعرف له درب منذ أمد بعيد (يوميات قاطن معسكر ٧، ٨). 

توجهت عربة ملاكي ذات لوحات تابعة لجهاز أمن نيالا، ومن أمامها وخلفها عربتا تاتشر مدججات بالسلاح وعلى ظهر كل منهما أربع من العسكر ‘أبهات أصبليطة فاضية’. فُتِحت لهم بوابة معسكر كلمة الرئيسية، وتوقفت مركباتهم عند مكتب مدير الحرس قُرابة البوابة، كانت هناك آثار فارغ أعيرة نارية كثيرة وذلك بسبب الحرب الضروس التي قامت بين قوّتان من حرس الحدود، انتهت بظفور مكلوم لحمّاد سكم، نائب رئيس حرس معسكر كلمة السابق على قوات ود الزاكي رئيس حرس حدود شمال دارفور. فرّ الأول بعد أن أسر شيخ ود الزاكي وفع عينه، فرّ به إلى سفوح جبل مرّة حيث قام بقتل العديد من السكان شرقي الجبل ليتبوأ وقومه مقعداً هناك، وكان ذلك بتوصية من مسؤول ملف دارفور بالحكومة على عثمان محمد طه.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٩

يوميات قاطن معسكر

(٢٩وقبل الأخيرة)

 cropped-20130403-1957141.jpg

تمكن علي من التحصل على إذن نقل لأسرته من شمال الإقليم إلى جنوبه، من الرمضاء الى النار، عن طريق منظمة خيرية، ولم يحتاج لعملية مد وجذب مع إدارة المعسكر بعد ان صدّقت على أمر الترحيل، فقد أصبح الوضع في معسكر أبوشوك في غاية الفوضى بعد الإقتِتال الأخير بين المليشيات الحكومية فيما بعضها. وصلوا إلى معسكر كلمة في جنوب دارفور برّاً بعد جُهد جهيد، وقد تغير حال هذه الكلمة، أصبحت مجرّدة من المحسنات البديعية المتمثلة في منظمات الإغاثة الإنسانية، فقد ألمّ بالمعسكر هنا نفس الذي أحل بنظيره فس شمال الإقليم. أصبحت قوات حرس الحدود في الجنوب أكثر شراسة، تحسباً لهجوم وشيك مرتقب عليها من قوات الشمال لتحرير شيخهم ود الزاكي الذي تم سجنه في  بعد أسره في معركة إنتصر فيها حمّاد سكم (يوميات قاطن معسكر ٢٨). قبل وصوله إلى المعسكر هاتف شريفة والتي بدورها قامت بإستنفار أصدقاءهم وزيادة حجم راكوبة علي، فها هو يعود وفي معيته أهله، بعد فراق طال. كانت شريفة وكل أصدقاء علي في انتظارهم، شعرت الام بشيئ من الفرحة لمدى الترحيب، فوسوس لها إبنها البكر علي “يا أمي ديل أهلي برضو” وأردف “إن شاء الله بفتّش لي طريقة ارحلكم نيالا وارتّب لحياة هناك”. رد الام فوراً “حياة ونحن مشتتين تاني ما دايرة، وان ما قاعدة اطلب منكم حاجة طول عمري، لكن فرقة تاني بعد عمري دا ما بقدر عليها، يإما نمشي هناك كُلّنا، يا إما نقعدو هنا”.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٨

يوميات قاطن معسكر

(٢٨)

وضعت يديها الكريمتين على وجه من غاب عنها لمدة قاربة الخمسة أعوام. فتلمست فيه شيئاً لم يُخلق معه عند ولادته، ذلك الشرخ الكبير على خدّه الأيمن لم يكن فصادة عُلّم بها خده عند الصِغر. فقد أصبح أشرماً من دونِ دمِ حمزة. ركع أمامها وقبل أخمص قدميها وهو يبكي.

كان لسان حالها يقول لولدها “ما شوهوك بفصادة على الخدود السادة”، كانت ناتجة عن تعذيب نائب قائد حرس الحدود، حمّاد سكم (يوميات قاطن معسكر ٢٢). بكته وبكاها وبكيا معاً حاج إسماعيل. فهو لم يعزي والدته بعد مقتل أبيه، فقد غادرت أسرة علي قرية عين قرفة في مساء ذلك اليوم ودم والده لم يجف بعد (يوميات قاطن معسكر ٧). بعدها إلتقى بأخته عائشة، ثم نسيبة، وأخيه أبوبكر. كل ذلك أمام راكوبة العائلة، كان عثمان بالداخل، فقد عادة إلى مزاولة حياة الخفافيش، نوم في النهار ونشاط في الليل بسبب الكيف أو البحث عنه. عاد علي وقد تغيّر الكثير، فمن ترك يافعاً أصبح مراهقاً، ومن تركه مراهقاً أصبح شاباً، كبرت الهموم، وزاد ضنك الحال، وتفاقم الوضع السيئ بسبب انتشار المخدّرات بصورة كبيرة بعد أن أحكم ود الزاكي قبضته على معسكرات شمال دارفور بسبب الصلاحيات التي أهيبت له من قبل حكومة المركز.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٧

يوميات قاطن معسكر

(٢٧)

 

أصبح فؤاد أم علي، السيدة مريم يعقوب، فارِغاً وهي تفقد إبنها الثالث أمام أعيُنِها، فقد اصبح شبه إنسان، شارد العقل والفكِر، نحيل الجسد، يكاد أن يكون ذو بعدين فقط. فقد تم رفده من العمل لانه قال لا لإستغلال المدير (يوميات قاطن معسكر ٢٦). طرده المدير قائلاً “السبب عدم الحضور للشغل في الوقت المحدد” وفي هذه الجملة الكثير من الصِحة. فتابع أناس، ربطه وإياهم الكيف، والمخدرات. فقد مرّت ثلاث اشهر وهذا الهيكل العظمي لا يبرح البيت إلا عند الليل، لقضاء حاجته من الكيف والمُخدر. جُفف مصدر درّ ماله، وقلّ معدل شراءه للمخدر، والسبب الآخر أنه مرّة بوعكة صحيّة صعبة للغاية كادت تؤدي به إلى الجانب الآخر ولكنه مرة منها بسلام. 

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٦

يوميات قاطن معسكر

(٢٦)

كبر هم عثمان إسماعيل آدم، وهو يستيقظ الصباح على صوت أخته نسيبة تتأوه في الصباح الباكر، ففي الماضي القريب كان واجبه يقتصر على العمل في المنظمة الإنسانية ومن ثم جلب المال لأهل بيته، أما باقي الإحتياجات كأخذ المريض لمستوصف المعسكر، وحل المشاكل، ومواساة الحزين لم تكن في قاموسه، ليس لانه إنسان أناني أو غير مبالي بالناس، ولكن لان الظروف في السابق جعلته الرابع في صف المسؤولية بعد والده وأخويه علي وأحمد. بغياب هؤلاء أصبح هو في المقدمة دون تجهيز او تدريب لهذا الدور الجديد، فالتوقعات كبيرة رغم ضنك الحال، والمقارنة آخذة جزء كبير في تفكيره، فهو من النوع الذي يحاول قراءة ما يدور في عقل الآخر تجاهه، وفي غالب الأحيان يصرف الكثير من الجهد في الوصول إلي ذلك. حاول خلال هذه الفترة إكتساب بعض الطباع التي كانت متوفرة لدى مُلهميه الغائبين من الأُسرة.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٥

يوميات قاطن معسكر

(٢٥)

مرّ يومان على قدوم ثلاثة من أفراد الشرطة إلى منطقة شرق معسكر كلمة لإعتقال خالد جار علي ( يوميات قاطن معسكر ٢٣)، بعد أن أُقتيد إلى بوابة المعسكر حيث مكتب قيادة الحرس، لم يكن حمّاد موجوداً، فتم تهريبه خارج المعسكر، حيث كانت هناك عربة في انتظاره، عند البدء إطمأن خالد بعض الشيئ، ولكن عندما رأى العساكر يسلمونه لمجموعة أُخرى أوجس خيفة، فقد قاموا بعصب عينيه ووسوس له أحدهم “الليلة يا جاسوس الله جابك لينا”، قادته هذه المجموعة إلى منطقة تُعرف ب’المناطق المحررة’، محررة من قوات النظام، وتسيطر عليها مجموعات حملت السلاح من أجل الدفاع على أنفسهم وأهليهم، وللمطالبة بحقوقهم المهضومة من قبِل حكومة المركز على مرّ العقود بعد جلاء المستعمر، كان خالد يرتجف وهو في رحلة طويلة مظلمة بالنسبة له، فكان يتوقع الأسوء من جرّاء ما فعل خلال الفترة الماضية.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٤

يوميات قاطن معسكر

(٢٤)

كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً، وموجة من الصراخ تصدر من غرفة النساء في بيت حاج إسماعيل، والذي كان بدوره يجلس في ساحة البيت في معية إبنه الصغير ذو السنتين. كانت زوجته مريم على وشك الوضوع، وكان الأمر مختلفاً هذه المرّة لأنها حامل بتوأم، مما تطلّب وجود ثلاث من دايات الحلّة في ذلك اليوم توخِياً لأي عواقب، وايضاً كانت عربة صديقه عبدالرحمن ود الخاتم تقف خارج البيت كنوع من الإحتياط والحذر.

خمسة نساء من عين قرفة كنّ ضمن الحضور. فأهل المنطقة يتفألون بالتوائم، ولم يكن الحدث متكرراً في الحِلّة. آثر حاج إسماعيل آدم ان يكون على مقربة من زوجته، فكما أسلفنا سابقاً (يوميات قاطن معسكر ١٤) فقد كان إسماعيل مختلفاً عن أقرانه، فالكثير من أصدقائه في مكان الزرع كانوا يستغربون من وجوده أثناء الولادة، فجلّهم يكون في السوق أثناء ولادة أبناءهم وبناتهم، ولا يرجعوا إلى بيوتهم إلاّ بعد إنتهاء العملية، وكانوا دائماً ما يقولون له “يا إسماعيل انت لو ما بقيت راجل مرتين، أمورك دي ما بتخليها” ويقول أحدهم “ياخي تعال أنا دا بعرِّس ليك، مرتي عندها أخت قاعدة معانا في البيت، وداير أسترها، وانت اكتر زول ملتزم فينا، فتعال ارجع أبقى شاب، وخلي امور الشياب دي”.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٣

يوميات قاطن معسكر

(٢٣)

أسقف الكنيسة الشرقية في مدينة إنسبروك النمساوية وعضو منظمة النّماء الطبية، مارتن اونريتش، أخصائي طب المناطق الحارّة، ويعمل مع المنظمات الخيرية في مناطق الشدّة في دول االعالم الثالث، وخصوصاً أفريقيا. حلت طائرة طيران النمسا القادمة من فيناّ في مطار دبي، ومن ثم اتجه مارتن إلى رحلته التالية صوب الخرطوم. حل في الخرطوم عند الساعة السادسة مساءً وكان في إستقباله أعضاء منظمة النماء في السودان، وكان من ضمنهم، عمّار محمد المعروف بعمّار سنونو. بعد أن غادر مدير عمّار قطاع المنظمة في شمال دارفور إلى الخرطوم (يوميات قاطن معسكر ١٩)، تنفس عمّار الصعداء وسمحت له الفرصة بالتنقل داخل أقسام المنظمة المختلفة لإكتساب الخبرة، فتمكن بحنكته المعروفة لدى أصدقاءه ومعارفه التقدم داخل النظمة، واصبح في قسم الخدمات الذي يتضمن السفر المتواصل لتخليص جمارك معدات وحاجيات المنظمة في المواني البرية والبحرية والجوية، وأيضاً إستقبال أعضاء المنظمة الوافدين من المقر الأم في مدينة إنسبروك الواقِعة جنوب غرب النمسا.

Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢٢

يوميات قاطن معسكر

(٢٢)

خيم السكون على أفراد عائلة المرحوم إسماعيل آدم الستة في شمال دارفور، فقد أُحبِطو بعد تأخُر إتصال سابعهم علي إسماعيل من جنوب دارفور، وعندما حاولوا الإتصال لم يحالفهم الحظ في التّحصل عليه. تغير مزاج الأم وأصبحت تشير بأصابع الإتهام الى ولدها عثمان.

الأم: من زمان ما قاعدين نسألك، تعمل أي حاجة دايرها، ترمق وتجي على كيفك، يوم المسألك ونقول ليك جيب الموبايل ما تجيبو، وهسي ودّرنا أخوك، يكون ضرب وما لقانا. الله يهديك. اخوك تأني نبقى وين، الله يهديك. Continue reading

يوميات قاطن معسكر ٢١

يوميات قاطن معسكر

(٢١)

عثمان إسماعيل آدم، شقيق علي الأصغر، ورقم أربعة من حيث ترتيب الأبناء والبنات. إنسان يحمل الكثير والكثير، مرّ بنفس المشاكل التي مرّ بها إخوته من أبيه وأمه ومن مجتمعه على حد سواء. زادت معاناته لأنه شخصية إنطوائية، منغلقة لحد كبير، لا يحب أن يُسأل عما يفعل، كان طالب ناجح جداًً، وأسرته مدركة تماماً مدى كرهه للتحقيق في أمر دراسته، فكانو يسألونه أسئلة عامة ولا يصرّون على معرفة خصوصياته في معظم الأوقات. حتى أن أخاه علي كان يشك في أن عثمان يعاني من درجة طفيفة من التوحّد. كان متعلقاً جداً بأخاه الأصغر أبو بكر دون الآخرين من أهل البيت، كانا يتبادلان أطراف الحديث لأوقات طويلة جداً حتى تتدخل الأم وتقول لهما: يا أولادي السهر ما كويس، ويا أبوبكر مواعيد نومك جان قبيل يلّا على سريرك. وتكتفي الأم بذلك القدر ولا توجه نفس اللهجة لعثمان. فقد كان المرحوم المقتول حاج إسماعيل آدم يقول لأهل بيته دوماً (عثمان دا خلو يا إخوانا ما تزعِلوا الله يرضى عليكم).  Continue reading